المدنيون في قلب الأزمة.. مخاوف حقوقية من تنامي العنف بالكونغو الديمقراطية
المدنيون في قلب الأزمة.. مخاوف حقوقية من تنامي العنف بالكونغو الديمقراطية
يواجه المدنيون في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أخطر المراحل الإنسانية منذ سنوات، في ظل تصاعد القتال وتجدّد المواجهات المسلحة التي أطاحت بآمال خفض التصعيد، وأعادت المنطقة إلى دائرة العنف الواسع والانهيار المؤسسي.
ومع اتساع رقعة الاشتباكات، تتهاوى الخدمات الصحية، وتتزايد موجات النزوح القسري، في حين يجد مئات الآلاف من السكان أنفسهم محاصرين بين نيران الأطراف المتحاربة وغياب الحماية الفعلية، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم السبت.
وتؤكد معطيات الأمم المتحدة أن الهجوم الأخير الذي شنّه تحالف نهر الكونغو/حركة 23 مارس فجّر موجة جديدة من الأعمال العدائية في إقليم جنوب كيفو، بعد أيام قليلة فقط من توقيع اتفاقات دولية كان يُعوَّل عليها لخفض التصعيد.
هذا التطور السريع أعاد إلى الواجهة هشاشة المسار السياسي، وطرح تساؤلات جدية حول قدرة المجتمع الدولي على حماية المدنيين ومنع انزلاق الوضع نحو أزمة إقليمية أوسع.
تداعيات العنف على المدنيين
أدّى تجدّد المواجهات المسلحة إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، وتدمير مرافق حيوية، من طرق ومراكز صحية ومبانٍ سكنية، ما فاقم من معاناة السكان الذين يعيشون أصلاً أوضاعاً إنسانية قاسية.
وتشير تقارير مسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى أن مئات الآلاف اضطروا إلى الفرار من منازلهم خلال فترة قصيرة، بحثاً عن الأمان في مناطق تفتقر بدورها إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.
ومع النزوح الجماعي، تتفاقم المخاطر الصحية، خاصة في ظل انهيار المنظومة الطبية المحلية، ونقص الأدوية، وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية، الأمر الذي يهدد حياة الأطفال والنساء وكبار السن بشكل خاص.
ويُحذَّر من أن استمرار القتال سيؤدي إلى تفشي الأمراض وسوء التغذية، في واحدة من أكثر المناطق هشاشة في القارة الأفريقية.
اتهامات ومخاوف إقليمية
طالما أشارت الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى أن حركة 23 مارس، التي يغلب عليها عناصر من التوتسي، تحظى بدعم من رواندا، وهي اتهامات تنفيها كيغالي بشكل متكرر، إلا أن التصعيد الأخير أعاد هذه الاتهامات إلى الواجهة، وسط قلق دولي متزايد من تداعيات النزاع على استقرار المنطقة بأكملها.
وفي هذا السياق، عبّر السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، مايك فالتز، عن “خيبة أمل لا توصف” إزاء ما وصفه بسلوك رواندا في الأيام الأخيرة، مؤكداً أن واشنطن كانت قد جمعت رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية قبل أيام فقط لتوقيع اتفاق سلام، على أمل فتح صفحة جديدة من التهدئة.
وتكشف هذه التصريحات حجم الإحباط الدولي من سرعة انهيار التفاهمات السياسية أمام منطق السلاح.
تهديد للسلام والسيادة
حذّر جان بيير لاكروا، رئيس عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، من أن الهجوم الأخير أعاد إحياء “شبح اندلاع نزاع إقليمي ذي عواقب لا تُحصى”.
وأوضح أن التوسع الإقليمي لتحالف نهر الكونغو/حركة 23 مارس، إلى جانب إضعاف سلطة الحكومة الكونغولية في الشرق، يهددان الوحدة الوطنية والسيادة والسلامة الإقليمية للبلاد.
وأشار لاكروا إلى أن الاختراقات الدبلوماسية التي تحققت أخيراً، ومنها اتفاقات واشنطن الموقعة في الرابع من ديسمبر بين كينشاسا وكيغالي، وإطار اتفاق الدوحة الموقع في نوفمبر بين الحكومة الكونغولية والتحالف المتمرد، كانت قد ولّدت أملاً حقيقياً في خفض التصعيد.
غير أن الانتهاكات المتكررة لوقف إطلاق النار واستئناف القتال تهدد الآن بإجهاض هذا التقدم، وبتقويض الثقة في أي مسار تفاوضي مستقبلي.
ضغوط متزايدة وتحديات
في خضم هذا المشهد القاتم، تبقى بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية خط الدفاع الأخير عن المدنيين، رغم ما تواجهه من ضغوط متزايدة وتحديات ميدانية جسيمة.
ومع تصاعد العنف واتساع رقعة الاشتباكات، تجد البعثة نفسها أمام مهام تفوق إمكاناتها، في وقت يقترب فيه مجلس الأمن من اتخاذ قرار حاسم بشأن تجديد ولايتها.
وتحذر منظمات حقوقية من أن أي تقليص لدور البعثة، أو فشل في تعزيز قدراتها، قد يترك المدنيين مكشوفي الظهر أمام تصاعد الانتهاكات، ويزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية، فشرق الكونغو اليوم يقف عند مفترق طرق حاسم، حيث يتقاطع العنف المسلح مع العجز السياسي، في حين يدفع المدنيون الثمن الأكبر في صراع لم يختاروه.











